منهجية تحليل ومناقشة قولة فلسفية استعدادا للامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا جميع الشعب.
سيتم الاشتغال على مقتطف من قولة لتروتسكي مقتطفة من نص ماكس فيبر :” تقوم كل دولة على العنف”.
الخطوة الأولى لمنهجية تحليل القولة تتمثل في التمهيد، والذي تكون له علاقة بالقولة، من خلال المؤشرات الآتية:
-تأطير القولة ضمن مجالها العام (المجزوءة )و مجالها الخاص (المفهوم)
-الإشارة إلى القضية التي تعالجها القولة و التي تعتبر مدخلا لطرح الإشكال.
-تحديد الإشكالات الجوهرية التي تثيرها القولة القولة وصياغتها صياغة استفهامية، للإجابة عنها من خلال التحليل والمناقشة.
مثال تطبيقي على القولة التي بين أيدينا:
يتأطر المجال الإشكالي للقولة التي بين أيدينا ضمن مجزوءة السياسة التي تعتبر علم تدبير الشأن العمومي من خلال السعي نحو ممارسة السلطة، و تفتح على مفهوم الدولة و علاقته بالعنف، حيث تعالج قضية أساسية مفادها: أن العنف هو الوسيلة الأساسية لقيام الدولة،فما الأساس الذي تبنى عليه الدولة ؟ هل يمكن القول أن كل دولة تقوم على العنف؟ ألا يمكن الحديث عن دولة الحق القائمة على أسس أخلاقية تستمد شرعيتها من الحق و العدالة؟
الخطوة الثانية لمنهجية التحليل:
يتم تحليل الأطروحة المتضمنة في القولة من خلال الاعتماد على العناصر الآتية:
- تحديد و شرح المفاهيم المركزية للقولة
- تحليل الأطروحة انطلاقا من اختيار المعرفة الملائمة و تعزيزها من خلال استعراض أمثلة و معطيات من الواقع.
مثال تطبيقي لتحليل التي بين أيدينا:
كجواب على الإشكالات السابقة تراهن القولة على أطروحة مفادها: أن كل دولة تقوم على العنف، و قبل الخوض في تحليل مضمون هذه الأطروحة تجدر الإشارة إلى تحديد مفاهيمها تحديدا دقيقا، فالدولة تشير إلى مجموع المؤسسات و الأجهزة القانونية و الإدارية و الاجتماعية و العسكرية … التي تشتغل وفق نسق متكامل من أجل تنظيم الحياة الاجتماعية داخل نطاق جغرافي محدد، أما العنف يشير إلى استخدام القوة بشكل مفرط تجاه الغير و العالم الطبيعي لإخضاعهم لإرادة الذات، وقد تلجأ له الدولة بشكل شرعي قانوني حماية للنظام العام، و بالرجوع إلى مضمون القولة نجدها تدافع (من خلال صيغتها التعميمية) عن قيام الدولة على العنف، بمعنى أن الهدف الأول من تأسيس الدولة هو فرض السلطة بواسطة القوة و احتكار استخدام العنف من أجل ضمان الاستمرار و تفادي الاضطرابات التي يمكن أن تنال من وحدتها سواء كانت هذه الاضطرابات داخلية أو خارجية، و استقراء لتاريخ التنظيمات السياسية نجد أن معظمها أقامت صلة وثيقة و حميمية مع العنف بل حتى الفكر الفلسفي و السياسي راهن على ضرورة قيام الدولة على العنف، فالعديد من رجالات السياسة جعلوا من القوة الوسيلة الوحيدة لقيام الدولة واستمرارها، نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر رجل السياسية الإيطالي الشهير موسوليني الذي أخضع شعبه لإيديولوجيته الفاشية بالعنف و القوة، مستمدا مرجعيته في الحكم انطلاقا من تصور ماكيافيلي حيث جعل من مؤلفه الأمير مرجعا أساسيا في الحكم و موضوعا لنيل دكتوراه.
و ليس فقط موسوليني من اتخذ من القوة و العنف وسيلة لبقاء الدولة و فرض الهيمنة و التسلط، فقد تكرر نفس الأمر مع السياسة النازية للألماني أدولف هتلر، الذي اتخذ من المكر و القوة أسلوبا سياسيا لإدارة الحكم، فبمجرد سيطرته على دواليب الدولة شن حملة تصفية ضد معارضيه، ليعلن بعد ذلك عن غايته في السيطرة على العالم.
إذن هذان النموذجان و غيرهما من النماذج يوضحان مدى ارتباط الدولة بالعنف، كآلية للردع و فرض السيطرة بالقوة المادية، و قد تشرع الدولة لنفسها قوانين قائمة على العنف لتفادي الاضطرابات و القلاقل التي يمكن أن تعصف باستمرارها.
تصحيح الامتحان الوطني لمادة الفلسفة دورة 2018 إضافة إلى إجابة نموذجية من أحد المترشيحن
الخطوة الثالثة: المناقشة
يمكن تقسيم المناقشة بشكل عام إلى مناقشة داخلية ومناقشة خارجية.
1-المناقشة الداخلية: تعبر عن لحظة التفكير في تصور القولة من الداخل(نقد مضمونها أو إبراز قيمتها)؛
2-المناقشة الخارجية: التفكير في تصور القولة من الخارج (استحضار وجهات نظر أخرى عالجت نفس القضية)
مثال تطبيقي من خلال القولة التي بين أيدينا:
تبرز قيمة تصور صاحب القولة في كون العنف من الوسائل الناجعة والفعالة لضمان استمرار الدولة و تفادي الصراعات الإثنية و العرقية التي تهدد بتفككها و تعجل بدمارها، كما أن العنف قد يحصنها من كل الهجمات المحتملة و الأطماع الخارجية، لأن مبدأ السيادة تستمده الدول من مدى حفاظها على أمنها الداخلى من جهة، و قدرتها على التصدي للأعداء من جهة أخرى.
و هذا ما أكده أكثر من فيلسوف و عالم و مفكر، فالسوسيولوجي الألماني “ماكس فيبر” يرى أن الدولة لها الحق في ممارسة العنف كضامن وحيد لهيمنتها,، غير أن هذا العنف وإن كان ليس وسيلة الدولة الوحيدة، إلا أنه أكثر أسلحتها نجاعة في قيادة المجتمع و ممارسة السلطة، مادام أن تاريخ البشرية كشف عن محاولات التعنيف لضمان السلم الاجتماعي من هذا المنطلق يرى فيبر أن السياسي يتوق إلى السلطة، إما لأنها وسيلة لتحقيق غايات مثالية أو أنانية و إما لذاتها من أجل إشباع الشعور بالفخر الذاتي والرغبة في الوصول إلى السلطة وامتلاكها، بل وإن الاحتفاظ بها يعني بالضرورة أن الدولة /السلطة تعتمد على علاقة أساسية تربط بها هيمنة الإنسان على الإنسان من خلال العنف المشروع،ومن تم يقول فيبر”يجب أن نتصور الدولة المعاصرة كتجمع بشري يطالب في حدود مجاله الترابي بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع و ذلك لفائدته …”و ليس فقط فيبر من دافع على حق الدولة في احتكار العنف، فقبله ماكيافيلي تحدث في مؤلفه الشهير “الأمير”عن استخدام الحاكم لكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة للدفاع عن الحكم و التغلب على الخصوم منطلقا من مبدأ برغماتي”الغاية تبرر الوسيلة”
هذا الطرح الذي يرى في العنف وسيلة أساسية لقيام الدولة و استمرارها ليس هو الطرح الوحيد المهيمن على الفكر السياسي، بل هناك مواقف أخرى تؤكد على ضرورة تجنب العنف، لأن هذا الأخير من شأنه خلق هوة بين الحاكم و المحكوم، لأن النظام القائم على الاستبداد و العنف قد يتغذى على الخوف و الإرهاب ولا أخلاق.
و من بين التصورات التي انتقدت أنظمة الحكم الاستبدادية نذكر على سبيل المثال لا الحصر المفكر العربي عبد الرحمن بن خلدون الذي يرى أن نموذج السياسة المثلى هي التي تقوم على الاعتدال، وإذا كانت هذه الملكة( الاعتدال) تقوم على الرفق والحكمة حصل المقصود بين السلطان ورعيته .
أما إذا كان السلطان على بطش وعقاب فسدت هذه الملكة وحل الذل والمكر محل هذا الرفق،فحسن الملكة بين السلطان ورعيته هو التوسط والاعتدال، بمعنى لا إفراط في الشجاعة والكرم حتى التهور وبالتالي الانحلال، ولا إفراط في الجبن و البلادة حتى الجمود.
فهذا يتنافى و الصفات الإنسانية حسب ابن خلدون، فالحاكم والسلطان هو من يحكم رعاياه باعتدال و توسط وليس الدخول معهم في صراع وتحايل ومكر وخداع .
هذا الطرح الخلدوني وجد امتداده لدى العديد من الفلاسفة المهتمين بالحقل السياسى، و خصوصا فلاسفة عصر الأنوار، فهذا باروخ اسبينوزا أكد على أن الغاية التي قامت من أجلها الدولة هي حماية حرية الأفراد وسلامتهم وفسح المجال أمام طاقاتهم و قدراتهم البدنية و العقلية والروحية، و تحقيق هذه الأهداف (الأمن،الحرية …) يقتضي تنازل الفرد عن حقه في أن يسلك كما يشاء، ومقابل هذا التنازل يتمتع الأفراد بحرية كاملة في التعبير عن آرائهم و أفكارهم مع بقائهم متمتعين بهذا الحق مادام تفكيرهم قائما على مبادئ العقل واحترام الآخرين و ايضا ما دام الفرد لم يقم بأي فعل من شانه الحاق الضرر بالدولة.بالإضافة إلى مونتيسكيو الذي دعا إلى ضرورة الفصل بين السلط (التشريعية, التنفيذية, القضائية) من أجل تحقيق الحرية الصادرة عن اطمئنان النفوس.
الخطوة الرابعة التركيب:
وتتمثل هذا الخطوة في استخلاص عناصر التحليل والمناقشة.
مثال تطبيقي للنموذج الذي بين أيدينا:
خلاصة القول أن الدولة من جهة مطالبة بممارسة العنف من أجل ضمان الاستقرار و استمرار بقائها, لكن هذا العنف قد يتحول إلى وسيلة غير مرغوب فيها من طرف الكائن البشري التواق للحرية و الانعتاق من أغلال العبودية و الإستبداد، و من جهة أخرى ضرورة قيام الدولة على الحق الذي من شأنه أن يضمن للإنسان كرامته دون عقاب أو إهانة.